الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة . قال : وهي العقبة الأولى ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب . منهم من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف ، ومعاذ ، ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهما ابنا عفراء . ومن بني زريق بن عامر : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ؛ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ابن عامر بن زريق . قال ابن هشام : ذكوان ، مهاجري أنصاري . ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهم القواقل : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ؛ وأبو عبدالرحمن ، وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، من بني غُصينة ، من بلي ، حليف لهم . مقالة ابن هشام في اسم القواقل قال ابن هشام : وإنما قيل لهم القواقل ، لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما ، وقالوا له : قوقل به بيثرب حيث شئت . قال ابن هشام : القوقلة : ضرب من المشي . قال ابن إسحاق : ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم : العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان . ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام . ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة ابن عمرو بن غنم بن سواد . وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم بن التَّيَّهان ، واسمه مالك . قال ابن هشام : التَّيهان : يخفف ويثقل ، كقوله مَيْت وميِّت . ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرثد بن عبدالله اليزني ، عن عبدالرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثنى عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف . فإن وفَّيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر . قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبدالله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ؛ فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأُخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له ، وإن سُترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر . قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، وأمره أن يُقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يُسمَّى المقرِىء بالمدينة : مصعب . وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس ، أبي أمامة . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يصلي بهم ، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضُهم أن يؤمه بعض . أسعد بن زرارة و إقامة أول جمعة بالمدينة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه أبي أمامة ، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك ، قال : كنت قائد أبي ، كعب بن مالك ، حين ذهب بصره ، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة ، أسعد بن زرارة . قال : فمكث حينا على ذلك : لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له . قال : فقلت في نفسي : والله إن هذا بي لعجز ، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ؟ قال : فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج ؛ فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له . قال : فقلت له : يا أبت ، ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ قال : فقال : أي بني ، كان أول من جـمَّع بنا بالمدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، يقال له : نقيع الخضمات ، قال : قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا . أسعد بن زرارة ، و مصعب بن عمير ، و إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وبني عبدالأشهل قال ابن إسحاق : وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبدالأشهل ، ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبدالأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة ، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر . - قال ابن هشام : واسم ظفر : كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس - قالا : على بئر يقال لها : بئر مرق ، فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، يومئذ سيدا قومهما من بني عبدالأشهل ، وكلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به ، قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدما . قال : فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ؛ فلما رآه أسعد بن زرارة ، قال لمصعب بن عمير : هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق الله فيه ؛ قال مصعب : إن يجلس أكلمه . قال : فوقف عليهما متشتِّما فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال له مصعب : أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ؟ قال : أنصفت ، ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن ؛ فقالا : فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ، ثم قال : ما أحسن هذا الكلام وأجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهَّر وتُطهِّر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي . فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن ، سعد بن معاذ ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم ؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا ، قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين ، فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت ، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك . قال : فقام سعد مغضبا مبادرا ، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ؛ فلما رآهما سعد مطمئنين ، عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة ، أما والله ، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي مصعب ، جاءك والله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال : فقال له مصعب : أوتقعد فتسمع ، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد : أنصفت . ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، لإشراقه وتسهله ؛ ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟ قالا : تغتسل فتطهَّر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين . قال : فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته ، فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير . قال : فلما رآه قومه مقبلا ، قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف عليهم قال : يا بني عبدالأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا و أوصلنا وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة ؛ قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله . قالا : فوالله ما أمسى في دار بني عبدالأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، وخطمة ووائل وواقف ، وتلك أوس الله ، وهم من الأوس بن حارثة ؛ وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت ، وهو صيفي ، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعونه ، فوقف بهم عن الإسلام ، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، وقال فيما رأى من الإسلام ، وما اختلف الناس فيه من أمره : أربَّ الناس أشياء ألمت * يُلف الصعب منها بالذَّلولِ أرب الناس أما إذ ضللنا * فيسرنا لمعروف السبيل فلولا ربنا كنا يهودا * وما دين اليهود بذي شُكول ولولا ربنا كنا نصارى * مع الرهبان في جبل الجليل ولكنا خلقنا إذ خلقنا * حنيفا دينُنا عن كل جيل نسوق الهَدْي ترسف مذعنات * مكشفة المناكب في الجلول قال ابن هشام : أنشدني قوله : فلولا ربنا ، وقوله : لولا ربنا ، وقوله : مكشفة المناكب في الجلول ، رجل من الأنصار ، أو من خزاعة . قال ابن إسحاق : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته ، والنصر لنبيه ، وإعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله . قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، أخو بني سلمة ، أن أخاه عبدالله بن كعب ، وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا . فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ، إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه ، أم لا ؟ قال : قلنا : وما ذاك ؟ قال : قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر ، يعني الكعبة ، وأن أصلي إليها . قال : فقلنا : والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه . قال : فقال : إني لمصل إليها . قال : فقلنا له : لكنا لا نفعل . قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال : وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة على ذلك . فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا لا نعرفه ، ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هل تعرفانه ؟ فقلنا : لا ؛ قال : فهل تعرفان العباس بن عبدالمطلب عمه ؟ قال : قلنا : نعم - قال : و قد كنا نعرف العباس ، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال : فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس . قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم ، هذا البراء بن معرور ، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك . قال : فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشاعر ؟ قال : نعم . قال : فقال له البراء بن معرور : يا نبي الله ، إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر ، فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . قال : فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معنا إلى الشام . قال : وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم . قال ابن هشام : وقال عون بن أيوب الأنصاري : ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر يعني البراء بن معرور . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب ، أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه ، قال كعب : ثم خرجنا إلى الحج ، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق . قال : فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له : يا أبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ؛ ثم دعوناه إلى الإسلام ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال : فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا . قال : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نتسلل تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نُسيبة بنت كعب ، أم عمارة ، إحدى نساء بني مازن بن النجار ؛ وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع . قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب ، فقال : يا معشر الخزرج - قال : وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ، خزرجها وأوسها - : إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم ، واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ؛ وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال : فقلنا له : قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت . قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال : نعم ، والذي بعثك بالحق نبيا ، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا ، فبايِعْنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر . قال : فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم . قال ابن هشام : ويقال : الهدم الهدم : يعني الحرمة . أي ذمتي ذمتكم ، وحرمتي حرمتكم . قال كعب بن مالك : وقد كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس .
|